إدارة الشئون الفنية
الثبات على  الطاعات

الثبات على الطاعات

14 مايو 2021

خطبة الجمعة المذاعة والموزعة

بتاريخ 2 من شوال 1442هـ - الموافق 14  / 5  /2021م

الثَّبَاتُ عَلَى الطَّاعَاتِ

إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ) يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ( [ آل عمران:102].

 أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ أَصْدَقَ الحَدِيثِ كِتابُ اللهِ تَعَالَى، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

أَيُّهَا المُسْلِمُونَ:                                                             

لَقَدْ فَارَقَنَا رَمَضَانُ، شَهْرُ الصَّبْرِ وَالإِيمَانِ وَالبِرِّ وَالإِحْسَانِ، فَارَقَنَا بَعْدَ أَنْ تَعَلَّقَتْ بِهِ نُفُوسُ المُؤْمِنِينَ، وَبَعْدَ أَنْ مَلَأَ لَيَالِيَنَا نُورًا بِالْقِيَامِ، وَأَسْعَدَ أَيَّامَنَا بَهْجَةً بِالصِّيَامِ، وَعَلَّمَنَا كَيْفَ نَنْتَصِرُ عَلَى النَّفْسِ وَالشَّيْطَانِ وَالْهَوَى.

ولَئِنْ كَانَ شَهْرُ رَمَضَانَ وَدَّعَنَا وَانْقَضَى، فَإِنَّ مَوَاسِمَ الخَيْرِ كَثِيرَةٌ مُتَعَدِّدَةٌ، وَعَوَائِدَ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِيهَا مُتَجَدِّدَةٌ، فَبَيْنَ أَيْدِينَا مِنَ الفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ الَّتِي شَرَعَهَا اللهُ لَنَا عَلَى مَدَى السَّنَةِ؛ مَا يَزِيدُنَا تُقًى وَيُقَرِّبُنَا إِلَى اللهِ زُلْفَى.

فَمَنْ تَأَسَّى عَلَى ذَهَابِ لَيَالِي الْهِمَّةِ وَالْقِيَامِ؛ فَلْيُبْشِرْ؛ فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ شَرَعَ الْقِيَامَ لِعِبَادِهِ فِي سَائِرِ العَامِ، قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: )تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ( [السجدة:16]. وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ؛ فَإِنَّهُ دَأْبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ، وَهُوَ قُرْبَةٌ إِلَى رَبِّكُمْ، وَمَكْفَرَةٌ لِلسَّيِّئَاتِ، وَمَنْهَاةٌ لِلْإِثْمِ» [رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ].

عِبَادَ اللهِ:

وَمَنْ تَحَسَّرَ عَلَى انْقِضَاءِ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ شَرَعَ الصِّيَامَ فِي أَكْثَرِ الزَّمَانِ، فَهَا نَحْنُ أُولَاءِ نَسْتَقْبِلُ صِيَامَ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ، وَصِيَامُهَا بَعْدَ رَمَضَانَ مِنْ أَفْضَلِ الأَعْمَالِ ؛ فَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ؛ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ]. وَبَيْنَ أَيْدِينَا صِيَامُ العَشْرِ الأُوَلِ مِنْ ذِي الحِجَّةِ الَّتِي لَا يَعْدِلُهَا عَمَلُ عَامِلٍ؛ إِلَّا مَنْ بَذَلَ رُوحَهُ وَأَنْفَقَ مَالَهُ فِي سَبِيلِ اللهِ ؛ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ» يَعْنِي: أَيَّامَ الْعَشْرِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: «وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ» [رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ].

مَعَاشِرَ المُسْلِمِينَ:

وَمَنِ اعْتَادَ فِي رَمَضَانَ البَذْلَ وَالعَطَاءَ، وَطَابَتْ نَفْسُهُ بِالسَّمَاحَةِ وَالسَّخَاءِ؛ طَلَبًا لِرِفْعَةِ الدَّرَجَاتِ وَالأُجُورِ، وَحُبًّا فِي صَنَائِعِ الخَيْرِ وَدَفْعِ المَكَارِهِ وَالشُّرُورِ؛ فَلْيُوَاظِبْ عَلَى صَنَائِعِ الخَيْرِ وَبَذْلِ المَعْرُوفِ، مِنَ الصِّلَةِ وَالصَّدَقَةِ وَإِغَاثَةِ المَلْهُوفِ؛ فَكُلُّ الزَّمَانِ وَقْتٌ لِلْعَمَلِ بِهَا، وَكُلُّ النُّفُوسِ تَحْتَاجُ لِلْفَوْزِ بِثَوَابِهَا، )وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ  ( [المزمل:20].

وَفَّقَنِيَ اللهُ وَإِيَّاكُمْ لِلثَّبَاتِ عَلَى الحَقِّ وَالصَّلَاحِ، وَجَعَلَنَا مِنْ أَهْلِ الاسْتِقَامَةِ وَالْفَلَاحِ. وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَلِيَّ العَظِيمَ، وَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الخطبة الثانية

الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَمَرَ عِبَادَهُ بِدَوَامِ الطَّاعَةِ وَالاسْتِقَامَةِ، وَبَشَّرَ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا بِالفَوْزِ وَالكَرَامَةِ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، شَهَادَةً أَبْتَغِي بِهَا النَّجَاةَ وَالْفَلَاحَ وَالسَّلَامَةَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَمُجْتَبَاهُ وَخَلِيلُهُ، عَبَدَ رَبَّهُ حَتَّى أَتَاهُ الْيَقِينُ بِلَا ضَجَرٍ وَلَا سَآمَةٍ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- وَاعْمَلُوا بِطَاعَتِهِ وَرِضَاهُ؛ فَإِنَّهُ مَنِ اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، وَمَنْ تَوَكَّلَ عَلَيْهِ كَفَاهُ، وَكَفَى بِاللهِ وَكِيلًا.

أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ:

لَقَدْ عِشْنَا فِي رَمَضَانَ أَجْوَاءً إِيمَانِيَّةً، وَانْشَرَحَتْ صُدُورُنَا بِالطُّمَأْنِينَةِ وَالرُّوحَانِيَّةِ، لَكِنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَتَخَلَّى عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْهِمَّةِ فِي الطَّاعَةِ، وَالنَّشَاطِ فِي الْعِبَادَةِ، وَالْإِقْبَالِ عَلَى اللهِ بِقَلْبِهِ وَجَوَارِحِهِ، فَمَا أَنْ يَنْقَضِيَ رَمَضَانُ حَتَّى يُصِيبَهُ الفُتُورُ بَعْدَ خِفَّةِ الطَّاعَاتِ عَلَيْهِ، فَتَرَاهُ يَرْجِعُ مِنْ عُلُوِّ الهِمَّةِ إِلَى دُنُوِّهَا، وَمِنَ الإِقْبَالِ عَلَى الطَّاعَةِ إِلَى الكَسَلِ وَالتَّفْرِيطِ وَالإِضَاعَةِ، فَكَيْفَ يَسُوغُ لِلْعَاقِلِ الَّذِي ذَاقَ طَعْمَ العِبَادَةِ وَلَذَّةَ الطَّاعَةِ وَارْتَدَى ثَوْبَ الْهِدَايَةِ؛ أَنْ يَطْعَمَ مَرَارَةَ الذُّنُوبِ وَالخَطَايَا، وَيَرْتَدِيَ بَعْدَهُ ثَوْبَ الضَّلَالِ وَالْغَوَايَةِ؟! فَبَئِسَ القَوْمُ قَوْمٌ لَا يَعْرِفُونَ اللهَ إِلَّا فِي رَمَضَانَ.

قَالَ اللهُ تَعَالَى:)وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ( [الحجر:99]. قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: (إِنَّ اللهَ لَمْ يَجْعَلْ لِعَمَلِ المُؤْمِنِ أَجَلًا دُونَ الْمَوْتِ).

وَلْيَسْتَمِرَّ المُؤْمِنُ فِي مُجَاهَدَةِ نَفْسِهِ عَلَى فِعْلِ الطَّاعَاتِ وَالْقُرُبَاتِ، وَتَرْكِ المَعَاصِي وَالمُنْكَرَاتِ، حَتَّى يَلْقَى رَبَّهُ تَعَالَى رَاضِيًا مَرْضِيًّا، قَالَ اللهُ تَعَالَى:)وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ( [العنكبوت : 69 ]. وَاحْرِصُوا – رَحِمَكُمُ اللهُ تَعَالَى- عَلَى الْأخْذِ بِالنَّصَائِحِ وَالتَّوْصِيَاتِ الصِّحِّيَّةِ، وَالْتِزَامِ الْإِجْرَاءَاتِ الاحْترَازِيَّةِ، كَلُبْسِ الكِمَامَاتِ، وَتَعْقِيمِ الأَيْدِي عِنْدَ الدُّخُولِ إِلَى المَسْجِدِ وَالخُرُوجِ مِنْهُ، وَعَدَمِ مُصَافَحَةِ الآخَرِينَ، وَكَذَا التَّباعدُ بَينَ المُصَلِّينَ فِي الصُّفُوفِ.

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ والمُسْلِمَاتِ؛ الأَحْياءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، وَاشْفِ مَرْضَانَا وَمَرْضَى المُسْلِمِينَ، إِنَّكَ قَرِيبٌ سَمِيعٌ مُجِيبُ الدَّعَوَاتِ، اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِالْيَهُودِ الْغَاصِبِينَ، وَانْتَقِمْ مِنَ الصَّهَايِنَةِ الْمُجْرِمِينَ، وَرُدَّ الأَقْصَى الجَرِيحَ إِلَى حَوْزَةِ المُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ ارْفَعْ عَنَّا البَلَاءَ وَالوَبَاءَ وَالغَلَاءَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نسْألُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِنَا وَدُنْيَانا وَأهْلِنا وَمَالِنا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ أَمِيرَنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ وَفِّقْهُ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِهُدَاكَ، وَاجْعَلْ أَعْمَالَهُمَا الصَّالِحَةَ فِي رِضَاكَ، وَاجْعَلْ هَذا البَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا، سَخَاءً رَخَاءً وَسَائِرَ بِلَادِ المُسْلِمينَ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

لجنة إعداد الخطبة النموذجية لصلاة الجمعة

الرقعي - قطاع المساجد - مبنى تدريب الأئمة والمؤذنين - الدور الثاني